يتناول هذا البحث دراسة ظاهرة هامة سادت و انتشرت خلال العصر المملوكي وهي ظاهرة النهايات الدامية لبعض السلاطين، حيث حفل هذا العصر بشتى ألوان العنف و المؤامرات و التي بدأت تظهر على مسرح الأحداث منذ نهاية العصر الأيوبي وبالتحديد منذ أن تولي تورانشاه ابن الصالح نجم الدين أيوب السلطنة لتصبح مؤامرة التخلص من بطشه وسطوته حلقة في سلسلة متصلة من الأحداث الدامية التي اشتهر بها هذا العصر حيث وصل عدد سلاطين المماليك الذين انتهت فترة حكمهم بصورة دامية إلى أربع عشرة سلطانا.
والحقيقة أن الأسباب المؤدية لهذه الظاهرة عديدة ومتنوعة و يأتي في مقدمتها طبيعة نشأة المماليك أنفسهم بالإضافة إلى الطبيعة السكرية القاسية التي تربوا عليها. ومن بين هذه الأسباب نجد كذلك تمادى بعض السلاطين في تكبرهم و استعلائهم على الأمراء بل وعقابهم بالسجن أو القتل بصورة مبالغ فيها في كثير من الأحيان، الأمر الذي جعلهم يضيقون بهم ذرعا ويقررون التخلص منهم.
و في بعض الأحيان كان تفضيل السلطان لطائفة بعينها من المماليك و محاباته لها على حساب الطوائف الأخرى و تفريق الرواتب والمثالات بصورة مجحفة أحد الأسباب المباشرة المؤدية لعدم رضاء الأمراء والعسكر، والتي عجلت بدورها في القضاء على السلطان
و من بين هذه الأسباب نذكر أيضا الانتقام أو غيرة النساء و كيدهن كذلك صغر من بعض السلاطين بصورة لا تمكنهم من أن يحسنوا التدبير في الأوقات الصعبة، أو طيشهم ولهوهم الزائد عن الحد و الذين اتخذهما الأمراء لذريعة للتخلص من السلطان.
خلاصة القول، فإن حالة الفوضى والاضطراب التي عاشتها مصر خلال تلك الفترة بما تخالها من مؤامرات وفتن، و كذا تلك القسوة و الوحشية اللتين عرفتا عن المماليك كان لها شديد الأثر على زعزعة الاستقرار في البلاط السلطاني و هو ما أدى بطبيعة الحال إلى انتشار العديد من مظاهر العنف المختلفة و التي تجلت بصورة واضحة من خلال النهايات الدامية التي تعرض لها عدد ليس بالقليل من سلاطين المماليك.